فصل: الحديث التَّاسِع بعد الْأَرْبَعين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا كُنْتُم خَلْفي فَلَا تقرءوا إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين من رِوَايَة عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلِهَذَا الحَدِيث سَبَب وَهُوَ أَن أعرابيًّا راسل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قِرَاءَة وَالشَّمْس وَضُحَاهَا فتعسرت الْقِرَاءَة عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا تحلل من صلَاته قَالَ ذَلِك. هَذَا السَّبَب لم أره فِي شَيْء من طرق هَذَا الحَدِيث كَذَلِك، وَإِنَّمَا فِيهَا «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما فرغ قَالَ: هَل قَرَأَ معي أحد مِنْكُم آنِفا؟ فَقَالَ رجل: نعم يَا رَسُول الله». وَفِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ ومُسْتَدْرك الْحَاكِم عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة، عَن عبد بن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن مَحْمُود بن الرّبيع الْأنْصَارِيّ قَالَ: «قَامَ إِلَى جَنْبي عبَادَة بن الصَّامِت فَقَرَأَ مَعَ الإِمَام وَهُوَ يقْرَأ، فَلَمَّا انْصَرف قلت: أَبَا الْوَلِيد، تقْرَأ وَتسمع وَهُوَ يجْهر بِالْقِرَاءَةِ؟ قَالَ: نعم إِنَّا قَرَأنَا مَعَ رَسُول الله فغلط رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ سبَّح، فَقَالَ لنا حِين انْصَرف: هَل قَرَأَ معي أحد؟ قُلْنَا: نعم. قَالَ: قد عجبت، قلت من هَذَا الَّذِي يُنَازعنِي الْقُرْآن، إِذا قَرَأَ الإِمَام فَلَا تقرءوا إِلَّا بِأم الْقُرْآن، فَإِنَّهُ لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بهَا».
ذكره الْحَاكِم شَاهدا، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ابْن أبي فَرْوَة ضَعِيف، وَرَوَى من طَرِيق آخر غير حَدِيث عبَادَة من حَدِيث جَابر، وَصوب إرْسَاله، وَفِي مُسلم وَأبي دَاوُد و«الْقِرَاءَة خلف الإِمَام» للْبُخَارِيّ من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن نَحوه. وَالله أعلم.

.الحديث الثَّالِث بعد الْأَرْبَعين:

قَالَ الرَّافِعِيّ: يُقَال إِنَّه ورد الْخَبَر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ ينحني حَتَّى تنَال راحتاه رُكْبَتَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَلَا يَنْبَغِي من الرَّافِعِيّ أَن يُورِدهُ بِهَذِهِ الصِّيغَة؛ فقد رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ بِلَفْظ «إِذا ركع أمكن يَدَيْهِ من رُكْبَتَيْهِ، ثمَّ هصر ظَهره...» الحَدِيث. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ «ثمَّ يرْكَع وَيَضَع راحتيه عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثمَّ يعتدل فَلَا يَصُبُّ رَأسه وَلَا يقنع...» الحَدِيث. بِطُولِهِ، وَفِي رِوَايَة لَهُ «فَإِذا ركع أمكن كفيه من رُكْبَتَيْهِ وَفرج بَين أَصَابِعه ثمَّ هصر ظَهره غير مقنع رَأسه وَلَا صَافح بخده». وَفِي رِوَايَة لَهُ «ثمَّ ركع فَوضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابض عَلَيْهِمَا ووتر يَدَيْهِ فتجافى عَن جَنْبَيْهِ».
وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه بِلَفْظ «ثمَّ ركع فَوضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كالقابض عَلَيْهِمَا فَلم يَصُبَّ رَأسه وَلم يقنعه، ونحّى يَدَيْهِ عَن جَنْبَيْهِ». وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ «وَإِذا ركع كبر وَرفع يَدَيْهِ حِين ركع، ثمَّ يعتدل فِي صلبه وَلم ينصب رَأسه وَلم يقنعه» وَفِي رِوَايَة «ثمَّ أمكن يَدَيْهِ من رُكْبَتَيْهِ غير مقنع وَلَا مصوب» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَإِذا ركع أمكن يَدَيْهِ من رُكْبَتَيْهِ ثمَّ هصر ظَهره».

.الحديث الرَّابِع بعد الْأَرْبَعين:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رجلا دخل الْمَسْجِد وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس فِي نَاحيَة الْمَسْجِد فَصَلى، ثمَّ جَاءَ فَسلم عَلَيْهِ...». الحَدِيث، بِذكر الطُّمَأْنِينَة فِي الرُّكُوع وَعدم ذكر التَّسْبِيح فِيهِ وَفِي السُّجُود.
هَذَا الحَدِيث اتّفق الشَّيْخان عَلَى إِخْرَاجه، وَقد ذكرته بِطُولِهِ أَوَّلَ الْبَاب.

.الحديث الخَامِس بعد الْأَرْبَعين:

يرْوَى أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «كَانَ يُسَوِّي ظَهره فِي الرُّكُوع بِحَيْثُ لَو صب المَاء عَلَى ظَهره لاستمسك».
هَذَا الحَدِيث ذكره الرَّافِعِيّ تبعا للْإِمَام؛ فَإِنَّهُ ذكره فِي نهايته فَقَالَ: «وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يمد ظَهره وعنقه فِي الرُّكُوع عَلَى اسْتِوَاء بِحَيْثُ لَو صب المَاء عَلَى ظَهره لاستمسك». وَالْإِمَام تبع القَاضِي حُسَيْنًا؛ فَإِنَّهُ قَالَ: رَوَت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا ركع يُسَوِّي ظَهره وعنقه بِحَيْثُ لَو وضع قدح مَا انْصَبَّ أَو قَالَ لم ينصب». وَهَذَا الحَدِيث يحضرني لَهُ ثَمَان طرق، وَلم أر فِي شَيْء مِنْهَا رِوَايَته عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها.
أَحدهَا: من حَدِيث وابصة بن معبد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي، فَكَانَ إِذا ركع سوَّى ظَهره حَتَّى لَو صب المَاء عَلَيْهِ لاستقر». رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ، نَا عبد الله بن عُثْمَان بن عَطاء، نَا طَلْحَة بن زيد، عَن رَاشد قَالَ: سَمِعت وابصة... فَذكره.
وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف؛ عبد الله بن عُثْمَان بن عَطاء لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي، سُئِلَ عَنهُ أَبُو حَاتِم فَقَالَ: صَالح. وَقَالَ: سَمِعت مُوسَى بن سهل الرَّمْلِيّ يَقُول: هُوَ أصلح من أبي طَاهِر مُوسَى بن مُحَمَّد الْمَقْدِسِي قَلِيلا، وَكَانَ أَبُو طَاهِر يكذب. وَقَالَ ابْن حبَان: يعْتَبر حَدِيثه إِذا رَوَى عَنهُ غير الضُّعَفَاء. وَطَلْحَة بن زيد- وَقيل: ابْن يزِيد- ضَعَّفُوهُ، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَنسبه أَحْمد وَابْن الْمَدِينِيّ إِلَى الْوَضع، وَرَاشِد هَذَا لم يحدث عَنهُ إِلَّا طَلْحَة هَذَا الواهي.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بالسند الْمَذْكُور لكنه قَالَ: عَن رَاشد بن أبي رَاشد «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ركع فِي صلَاته لَو صب عَلَى ظَهره مَاء لاستقر».
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ركع لَو صب كوز مَاء عَلَى ظَهره لاستنقع عَلَيْهِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله، عَن حَفْص بن عمر، عَن شُعْبَة، عَن أبي فَرْوَة، عَن ابْن أبي لَيْلَى بِهِ. وَحَفْص هَذَا كَأَنَّهُ الرفاء، قَالَ أَبُو حَاتِم: كَذَّاب. وَسَيَأْتِي وَصله من حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ركع فَلَو صب كوز المَاء لاستقر» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه وَفِي سَنَده: سَلام الطَّوِيل تَرَكُوهُ، وَزيد الْعمي وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أبي الْعَالِيَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ يعلمنَا الرُّكُوع كَمَا كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمهُمْ ثمَّ يَسْتَوِي لنا رَاكِعا حَتَّى لَو قطرت بَين كَتفيهِ قَطْرَة من مَاء مَا تقدّمت وَلَا تَأَخَّرت» وَفِي سَنَده: عليلة بن بدر، تَركه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره.
الطَّرِيق الرَّابِع: من حَدِيث عقبَة بن عَمْرو قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ركع عدل ظَهره فَلَو صب عَلَى ظَهره مَاء لركد». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه أَيْضا، وَفِيه عبد الْملك بن عُمَيْر، وَهُوَ من فرسَان الصَّحِيح وَإِن تكلم فِيهِ أَحْمد وَنسبه إِلَى اضْطِرَاب الحَدِيث، وَابْن معِين إِلَى الِاخْتِلَاط.
الطَّرِيق الْخَامِس: من حَدِيث أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ركع لَو صب عَلَى ظَهره مَاء لاستقر» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه أَيْضا، عَن مُحَمَّد بن عبد الله الْحَضْرَمِيّ، ثَنَا صَالح بن زِيَاد السُّوسِي، نَا يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن سعيد بن جمْهَان، عَن أبي بَرزَة بِهِ.
وَهَذَا إِسْنَاد جيد، شيخ الطَّبَرَانِيّ هُوَ مطين الْحَافِظ، وَشَيْخه قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: صَدُوق وَإِن ضعفه مسلمة بن قَاسم فِي تَارِيخه. وَيَحْيَى وَحَمَّاد لَا يسْأَل عَنْهُمَا لجلالتهما، وَسَعِيد بن جمْهَان وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ، وَحسن لَهُ التِّرْمِذِيّ حَدِيث: «الْخلَافَة ثَلَاثُونَ سنة».
وَأما أَبُو حَاتِم فَقَالَ: لَا يحْتَج بِهِ.
الطَّرِيق السَّادِس: من حَدِيث أنس بن مَالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا ركع لَو جعل عَلَى ظَهره قدح من مَاء لاستقر من اعتداله» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أَصْغَر معاجمه، عَن إِسْحَاق الصَّدَفِي الْمصْرِيّ، ثَنَا عَمْرو بن الرّبيع بن طَارق، نَا يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن مُحَمَّد بن ثَابت الْبنانِيّ، عَن أَبِيه، عَن أنس بِهِ، ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن مُحَمَّد بن ثَابت إِلَّا يَحْيَى، تفرد بِهِ عَمْرو بن الرّبيع.
قلت: هُوَ ثِقَة من فرسَان الصَّحِيح، لَكِن مُحَمَّد بن ثَابت ضعفه جمَاعَة، وَقَالَ الْحَاكِم: لَا بَأْس بِهِ.
الطَّرِيق السَّابِع: من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ركع لَو صب عَلَى ظَهره مَاء اسْتَقر» ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي علله وَقَالَ: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: ذكر الْبَراء لَيْسَ بِمَحْفُوظ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ ابْن أبي لَيْلَى مُرْسلا.
الطَّرِيق الثَّامِن: من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى عَن عَلّي قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ركع لَو وضع قدح من مَاء عَلَى ظَهره لم يهراق» رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده قَالَ وَلَده عبد الله: وجدت فِي كتاب أبي: أخْبرت عَن سِنَان بن هَارُون، عَن بَيَان، عَن عبد الرَّحْمَن بِهِ. وَذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله فَقَالَ: رَوَاهُ أَحْمد عَمَّن أخبرهُ، عَن سِنَان بِهِ، وَخَالفهُ سلم بن سَلام أَبُو الْمسيب الواسطى؛ فَرَوَاهُ عَن سِنَان بن هَارُون، عَن بَيَان، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن الْبَراء قَالَ: وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ.

.الحديث السَّادِس بعد الْأَرْبَعين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «نهَى عَن التدبيح فِي الصَّلاة». وَفِي رِوَايَة: «نهَى أَن يدبح الرجل فِي الرُّكُوع كَمَا يدبح الْحمار».
هَذَا الحَدِيث ذكره أَبُو عبيد فِي غَرِيبه بِاللَّفْظِ الثَّانِي سَوَاء، وَلم يسْندهُ، وأسنده الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي نعيم النَّخعِيّ عبد الرَّحْمَن بن هَانِئ، ثَنَا أَبُو مَالك النَّخعِيّ عَن عبد الْملك بن حُسَيْن قَالَ: حَدثنِي أَبُو إِسْحَاق السبيعِي، عَن الْحَارِث الْأَعْوَر، عَن عَلّي قَالَ أَبُو مَالك: وَأَخْبرنِي عَاصِم بن كُلَيْب الْجرْمِي، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى. قَالَ أَبُو نعيم: وَأَخْبرنِي مُوسَى الْأنْصَارِيّ، عَن عَاصِم بن كُلَيْب، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى كِلَاهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «يَا عَلّي، إِنِّي أَرْضَى لَك مَا أَرْضَى لنَفْسي وأكره لَك مَا أكره لنَفْسي لَا تقْرَأ الْقُرْآن وَأَنت جنب، وَلَا وَأَنت رَاكِع وَلَا وَأَنت ساجد، وَلَا تصل وَأَنت عاقص شعرك، وَلَا تدبح تدبيح الْحمار».
وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، أَبُو نعيم النَّخعِيّ قَالَ ابْن معِين: كَذَّاب. وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَأَبُو مَالك النَّخعِيّ أَيْضا ضَعَّفُوهُ. والْحَارث الْأَعْوَر مُخْتَلف فِيهِ، وَأطلق ابْن الْمَدِينِيّ عَلَيْهِ اسْم الْكَذِب. وَعَاصِم بن كُلَيْب بن شهَاب من فرسَان مُسلم، وَهُوَ صَدُوق، وَإِن كَانَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ قَالَ: لَا يحتجُّ بِهِ إِذا انْفَرد.
قلت: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق آخر، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث أبي مُعَاوِيَة عَن أبي سُفْيَان طريف بن شهَاب، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ- قَالَ أَبُو مُعَاوِيَة أرَاهُ رَفعه-: «إِذا ركع أحدكُم فَلَا يدبح كَمَا يدبح الْحمار، وليقم صلبه» سكت عَنهُ الْبَيْهَقِيّ وَقد علمت حَال طريف بن شهَاب فِي أثْنَاء الحَدِيث الثَّالِث من هَذَا الْبَاب.
قلت: ويغني عَن هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله فِي الدّلَالَة حَدِيث عَائِشَة الثَّابِت فِي صَحِيح مُسلم «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا ركع لم يُشخص رَأسه وَلم يصوبه، وَلَكِن بَين ذَلِك» يشخص- بِضَم أَوله وَكسر ثالثه-: أَي يرفع، وَمِنْه الشاخص للمرتفع ويصوبه بتَشْديد الْوَاو- أَي يخْفض، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {أَو كصيِّب من السَّمَاء} أَي: مطر نَازل، وَكَذَا حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ الثَّابِت فِي سنَن أبي دَاوُد فِي صفة صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: «ثمَّ يرْكَع وَيَضَع راحتيه عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثمَّ يعتدل؛ فَلَا يصب رَأسه وَلَا يقنع» مَعْنَى لَا يصب: لَا يُبَالغ فِي خفض رَأسه وتنكيسه وَمَعْنى لَا يقنع: لَا يرفع.
فَائِدَة: التدبيح أَن يُطَأْطِئ رَأسه. قَالَ الْهَرَوِيّ فِي غَرِيبه فِي الحَدِيث: نهي أَن يدبح الرجل فِي الصَّلَاة؛ أَي: يُطَأْطِئ رَأسه. ذكره فِي باب الدَّال الْمُهْملَة ثمَّ قَالَ: وَرُوِيَ بِالذَّالِ- يَعْنِي: الْمُعْجَمَة- وَالدَّال أعرف، وَاقْتصر الْجَوْهَرِي عَلَى ذكره فِي الدَّال الْمُهْملَة. وَيُقَال: دبح الرجل تدبيحًا إِذا بسط ظَهره وطأطأ رَأسه، فَتكون رَأسه أَشد انحطاطًا من أليتيه. قَالَ: وَفِي الحَدِيث «أَنه نهَى أَن يدبح الرجل فِي الرُّكُوع كَمَا يدبح الْحمار». وَعَن أبي عَمْرو وابْن الْأَعرَابِي نَحوه. وَكَذَا اقْتصر ابْن الْجَوْزِيّ فِي غَرِيبه عَلَى ذكره فِي الدَّال الْمُهْملَة، فَقَالَ- وَمن خطه نقلت-: نهي أَن يدبح الرجل فِي الصَّلَاة وَهُوَ أَن يُطَأْطِئ رَأسه فِي الرُّكُوع حَتَّى يكون أَخفض من ظَهره.
وَقَالَ الرَّافِعِيّ: هَذَا اللَّفْظ يرْوَى بِالدَّال والذال، وَالْأول أشهر. وَكَأَنَّهُ تبع الْهَرَوِيّ فِي ذَلِك، قَالَ: وَهُوَ أَن يبسط ظَهره، ويطأطئ رَأسه فَتكون أَشد انحطاطًا من أليتيه.
قلت: وَرُوِيَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، ذكره مُحَمَّد بن أبي بكر النَّيْسَابُورِي فِي المناهى فَقَالَ: «وَنهي عَن التدبيح فِي الصَّلَاة». قَالَ: وَرُوِيَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. ثمَّ قَالَ بعده: التدبيخ أَن يُدِير نَفسه أَو رَأسه فِي الصَّلَاة كدوران الْحمار فِي الرَّحَى. وَقَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يدبخ الرجل فِي صلَاته كَمَا يدبخ الْحمار فِي الرَّحَى». قَالَ: وَقيل: مَعْنَاهُ: أَن يرفع رَأسه فِي الصَّلَاة كَمَا يرفع الْحمار رَأسه إِلَى السَّمَاء إِذا شم الْبَوْل.
وَفِي الصِّحَاح فِي دبخ- بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة-: دبخ الرجل تدبيخًا إِذا قبَّب ظَهره وطأطأ رَأسه- بِالْحَاء وَالْخَاء- جَمِيعًا عَن أبي عَمْرو، وَابْن الْأَعرَابِي. وَقَالَ: فِي دبح: دبَّح الرجل إِذا طأطأ رَأسه، وَبسط ظَهره.

.الحديث السَّابِع بعد الْأَرْبَعين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يمسك راحتيه عَلَى رُكْبَتَيْهِ فِي الرُّكُوع كالقابض عَلَيْهِمَا ويفرج بَين أَصَابِعه».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن قُتَيْبَة، نَا ابْن لَهِيعَة، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حَلْحلة، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو العامري قَالَ: «كنت فِي مجْلِس من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فتذاكروا صلَاته فَقَالَ أَبُو حميد... فَذكر الحَدِيث وَقَالَ: فَإِذا ركع أمكن كفيه من رُكْبَتَيْهِ، وَفرج بَين أَصَابِعه، ثمَّ هصر ظَهره غير مقنع رَأسه وَلَا صَافح بخده...» ثمَّ ذكر بَاقِي الحَدِيث.
ثمَّ رَوَاهُ عَن أَحْمد، نَا عبد الْملك بن عَمْرو أَخْبرنِي فليح، حَدثنِي عَبَّاس بن سهل قَالَ: اجْتمع أَبُو حميد وَأَبُو أسيد وَسَهل بن سعد وَمُحَمّد بن مسلمة، فَذكرُوا صَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو حميد: أَنا أعلمكُم بِصَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر بعض هَذَا- قَالَ: «ثمَّ ركع فَوضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابض عَلَيْهِمَا ووتر يَدَيْهِ فتجافى عَن جَنْبَيْهِ...» ثمَّ ذكر بَاقِي الحَدِيث.
وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «ثمَّ ركع فَوضع يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كالقابض عَلَيْهِمَا فَلم يصب رَأسه وَلم يقنعه، ونحى يَدَيْهِ عَن جَنْبَيْهِ» وَذكره الرَّافِعِيّ أَيْضا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام «كَانَ يُجَافِي مرفقيه عَن جَنْبَيْهِ فِي الرُّكُوع» وَقد عَلمته آنِفا وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يعْقد لَهُ تَرْجَمَة وَحده.

.الحديث الثَّامِن بعد الْأَرْبَعين:

عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكبر فِي كل خفض وَرفع وَقيام وقعود».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه بِهَذَا اللَّفْظ، وَزَاد بعد قَوْله: «وقعود»: «وَأَبُو بكر وَعمر» يَعْنِي أَنَّهُمَا كَانَا يفْعَلَانِ ذَلِك أَيْضا. وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَغَيرهم.
وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده وَالنَّسَائِيّ فِي سنَنه بِنَحْوِهِ، وَفِي صَحِيح ابْن خُزَيْمَة، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكبر كلما خفض وَرفع» وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة «أَنه كَانَ يكبر كلما رفع وَوضع. فَقُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيْرَة، مَا هَذَا التَّكْبِير؟! فَقَالَ: إِنَّهَا لصَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».

.الحديث التَّاسِع بعد الْأَرْبَعين:

رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «التَّكْبِير جزم».
هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ أول الْبَاب فَرَاجعه.

.الحديث الخَمْسُونَ:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه إِذا كبر وَإِذا ركع وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف أول الْبَاب.

.الحديث الحَادِي بعد الْخمسين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا ركع أحدكُم فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ثَلَاثًا، فقد تمّ رُكُوعه وَذَلِكَ أدناه، وَإِذا سجد قَالَ فِي سُجُوده: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا، فقد تمّ سُجُوده، وَذَلِكَ أدناه».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ من رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب، عَن إِسْحَاق بن يزِيد الْهُذلِيّ، عَن عون بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود، عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا، وَهُوَ حَدِيث مُنْقَطع؛ لِأَن عونًا لم يدْرك ابْن مَسْعُود كَمَا نَص عَلَيْهِ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِمُتَّصِل، عون لم يلق ابْن مَسْعُود. وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه: هَذَا حَدِيث مُرْسل، عون لم يدْرك عبد الله. وَذكره البُخَارِيّ فِي تَارِيخه الْكَبِير وَقَالَ: مُرْسل. وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم بعد أَن رَوَاهُ مَرْفُوعا: إِن كَانَ الحَدِيث ثَابتا؛ فَإِنَّمَا يَعْنِي بقوله: «تمّ رُكُوعه، وَذَلِكَ أدناه» أَي: أدنَى مَا يُنسب إِلَى كَمَال الْفَرْض وَالْإِحْسَان مَعًا لإكمال الْفَرْض وَحده. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّمَا قَالَ: إِن كَانَ ثَابتا؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطع.
قلت: وَرَوَاهُ ابْن نَاجِية من حَدِيث عون، عَن علاقَة بن مَسْعُود، عَن ابْن مَسْعُود فاتصل، لَكِن إِسْحَاق الْهُذلِيّ لَا أعلم رَوَى عَنهُ غير ابْن أبي ذِئْب، وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَرَوَاهُ الشَّافِعِي مرّة أُخْرَى بِإِسْقَاط ابْن مَسْعُود.

.الحديث الثَّانِي بعد الْخمسين:

قَالَ الرَّافِعِيّ: واستحبَّ بَعضهم أَن يضيف إِلَى الدُّعَاء الْمَذْكُور- يَعْنِي: الَّذِي فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود الْمُتَقَدّم-: «وَبِحَمْدِهِ» وَقَالَ: إِنَّه ورد ذَلِك فِي بعض الْأَخْبَار. انْتَهَى وَهَذِه الزِّيَادَة وَردت فِي أَحَادِيث.
أَحدهَا:
عَن مُوسَى بن أَيُّوب، عَن عَمه عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: «لما نزلت فسبح بِسم رَبك الْعَظِيم قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: اجْعَلُوهَا فِي ركوعكم، فَلَمَّا نزلت سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمَا من حَدِيث ابْن الْمُبَارك عَن مُوسَى بِهِ قَالَ أَبُو دَاوُد: نَا أَحْمد بن يُونُس، ثَنَا اللَّيْث بن سعد، عَن أَيُّوب بن مُوسَى- أَو مُوسَى بن أَيُّوب- عَن رجل من قومه، عَن عقبَة بن عَامر بِمَعْنَاهُ، زَاد قَالَ: «وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ركع قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا وَإِذا سجد قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ» قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذِه الزِّيَادَة يخَاف أَن لَا تكون مَحْفُوظَة.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: فِي رواتها- أَعنِي رِوَايَة أبي دَاوُد الثَّانِيَة- مَجْهُول.
قلت: عَنى بِهِ قَوْله: عَن رجل من قومه، لَكِن قَالَ الْمزي فِي تهذيبه: إِنَّه إِيَاس بن عَامر الغافقي. وَعلم لَهُ عَلامَة دق وَلم يعقبه بِجرح وَلَا تَعْدِيل، وَلم يذكر من رَوَى عَنهُ غير مُوسَى بن أَيُّوب، وَهُوَ كَمَا قَالَ من كَونه إِيَّاه؛ فقد صرح بِهِ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي رِوَايَته الحَدِيث فَقَالَ: عَن مُوسَى بن أَيُّوب الغافقي، سَمِعت عمي إِيَاس بن عَامر قَالَ: سَمِعت عقبَة... فَذكره ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حجازي صَحِيح الْإِسْنَاد، وَقد اتفقَا عَلَى الِاحْتِجَاج برواته غير إِيَاس بن عَامر وَهُوَ عَم مُوسَى بن أَيُّوب الغافقي، وَهُوَ مُسْتَقِيم الْإِسْنَاد.
قلت: وَجزم بِهِ أَيْضا أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه فِي رِوَايَته لَهُ؛ فَإِنَّهُ لما ذكره من حَدِيث مُوسَى بن أَيُّوب الغافقي عَن عَمه إِيَاس بن عَامر عَن عقبَة بن عَامر، قَالَ: «لما نزلت {فسبح بِسم رَبك الْعَظِيم} قَالَ: اجْعَلُوهَا...» الحَدِيث، قَالَ: إِيَاس بن عَامر من ثِقَات المصريين.
قلت: وَقَالَ ابْن يُونُس: كَانَ من شيعَة عَلّي والوافدين عَلَيْهِ من أهل مصر، وَشهد مَعَه مشاهده وَقَالَ الْعجلِيّ: مصري تَابِعِيّ لَا بَأْس بِهِ.
قلت: فقد عُلم إِذا عينه وحاله؛ فانتفت الْجَهَالَة عَنهُ كَمَا ادَّعَاهَا النَّوَوِيّ، وَظهر بِهِ أَيْضا رد قَول الذَّهَبِيّ الْحَافِظ فِي اختصاره للمستدرك: إِيَاس هَذَا لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ. وَرَوَاهُ إِيَاس مرّة، عَن عَلّي. وَذكر مثله، أَفَادَهُ ابْن بطال فِي شرح البُخَارِيّ.
الحديث الثَّانِي:
عَن حُذَيْفَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِي رُكُوعه: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا، وَفِي سُجُوده: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث حَفْص بن غياث، عَن مُحَمَّد بن أبي لَيْلَى، عَن الشّعبِيّ، عَن صلَة، عَن حُذَيْفَة بِهِ، وَمُحَمّد بن أبي لَيْلَى ضَعَّفُوهُ، وَإِن كَانَ رَأْسا فِي الْفِقْه، قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: شغل بِالْقضَاءِ فسَاء حفظه، وَلَا يتهم بِشَيْء من الْكَذِب؛ إِنَّمَا يُنكر عَلَيْهِ كَثْرَة الْخَطَأ فَلَا يحْتَج بِهِ. وَتَابعه سعد بن عُبَيْدَة بِدُونِ «وَبِحَمْدِهِ» عَن الْمُسْتَوْرد بن الْأَحْنَف، عَن صلَة بن زفر، عَن حُذَيْفَة قَالَ: «صليت مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَكَعَ، فَقَالَ فِي رُكُوعه: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم. وَفِي سُجُوده: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى».
رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، نَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن سعد بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد جيد. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر، عَن أبي الْأَزْهَر، عَن حُذَيْفَة «أَنه سمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا ركع: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ثَلَاث مَرَّات، وَإِذا سجد قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاث مَرَّات» وَابْن لَهِيعَة حَالَته مَعْلُومَة، وَأَبُو الْأَزْهَر مَجْهُول.
الحديث الثَّالِث:
عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «من السّنة أَن يَقُول الرجل فِي رُكُوعه: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ، وَفِي سُجُوده: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي يَحْيَى عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن، عَن السّري بن إِسْمَاعِيل، عَن الشّعبِيّ، عَن مَسْرُوق، عَن ابْن مَسْعُود بِهِ. وَالسري هَذَا تَركه النَّسَائِيّ وَغَيره.
الحديث الرَّابِع:
عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى، فَلَمَّا ركع قَالَ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ رفع رَأسه» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه وَفِيه شهر بن حَوْشَب، وَقد تَرَكُوهُ كَمَا مَضَى.
الحديث الخَامِس:
عَن أبي جُحَيْفَة قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سجد يَقُول: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا» رَوَاهُ الْحَاكِم فِي تَارِيخ نيسابور من حَدِيث بشر بن يزِيد، عَن النَّضر بن إِسْمَاعِيل الْبَلْخِي، عَن عَمْرو بن ثَابت، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي جُحَيْفَة بِهِ وعَمْرو هَذَا كَأَنَّهُ عَمْرو بن ثَابت الْمَتْرُوك الرافضي.
الحديث السَّادِس:
عَن السَّعْدِيّ، عَن أَبِيه، عَن عَمه قَالَ: «رمقت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صلَاته، فَكَانَ يمْكث فِي رُكُوعه وَسُجُوده وَيَقُول: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا» رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَن خلف بن الْوَلِيد، عَن خَالِد، عَن سعيد الْجريرِي، عَن السَّعْدِيّ بِهِ. وَرَوَاهُ المستغفري فِي «دعواته» من حَدِيثه عَن السَّعْدِيّ قَالَ: «رمقت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...» فَذكره، وَبِالْجُمْلَةِ فقد رَوَى ابْن الْمُنْذر أَنه قيل لِأَحْمَد بن حَنْبَل: يَقُول: «سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ» قَالَ: أما أَنا فَأَقُول: وَبِحَمْدِهِ.

.الحديث الثَّالِث بعد الْخمسين:

ورد فِي الْخَبَر «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِي رُكُوعه: اللَّهُمَّ لَك ركعت وَلَك خَشَعت، وَبِك آمَنت، وَلَك أسلمت، خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وشعري وبشري وَمَا اسْتَقَلت بِهِ قدمي لله رب الْعَالمين».
هَذَا قد ورد فِي عدَّة أَحَادِيث.
أَحدهَا:
وَهُوَ أقربها إِلَى لفظ المُصَنّف عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ركع قَالَ: اللَّهُمَّ لَك ركعت، وَلَك أسلمت، وَبِك آمَنت، وَأَنت رَبِّي، خشع سَمْعِي وبصري وعظامي وشعري وبشري وَمَا اسْتَقَلت بِهِ قدمي لله رب الْعَالمين».
رَوَاهُ الشَّافِعِي هَكَذَا عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، أَخْبرنِي صَفْوَان بن سليم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي هُرَيْرَة بِهِ قَالَ: وَأَنا مُسلم وَعبد الْمجِيد- قَالَ الرّبيع: أَحْسبهُ عَن ابْن جريج- عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن عبد الله بن الْفضل، عَن الْأَعْرَج، عَن عبيد الله بن أبي رَافع، عَن عَلّي «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا ركع قَالَ: اللَّهُمَّ لَك ركعت، وَبِك آمَنت، وَلَك أسلمت، وَأَنت رَبِّي، خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظامي وَمَا اسْتَقَلت بِهِ قدمي لله رب الْعَالمين» وَرُوِيَ أَيْضا عَن ابْن علية، عَن شُعْبَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَلّي قَالَ: «إِذا ركعت فَقل: اللَّهُمَّ لَك ركعت وَلَك خَشَعت وَلَك أسلمت، وَبِك آمَنت وَعَلَيْك توكلت؛ فقد تمّ ركوعك» وكل ذَلِك مخرج فِي مُسْنده أَيْضا.
الحديث الثَّانِي:
عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد تقدم أَيْضا رِوَايَة الشَّافِعِي لَهُ، ورَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بِلَفْظ: «كَانَ إِذا ركع قَالَ: اللَّهُمَّ لَك ركعت وَبِك آمَنت وَلَك أسلمت، خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي وعصبي» وَقد أسلفناه بِطُولِهِ فِي أَوَائِل هَذَا الْبَاب.
وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا بِلَفْظ: «كَانَ إِذا ركع قَالَ: اللَّهُمَّ لَك ركعت، وَبِك آمَنت، وَلَك أسلمت، أَنْت رَبِّي، خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وَمَا اسْتَقَلت بِهِ قدمي لله رب الْعَالمين» قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: هَذَا حَدِيث إِسْنَاده صَحِيح.
الحديث الثَّالِث:
عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «كَانَ إِذا ركع قَالَ: اللَّهُمَّ لَك ركعت، وَبِك آمَنت، وَلَك أسلمت، وَعَلَيْك توكلت، وَأَنت رَبِّي، خشع لَك سَمْعِي وبصري ولحمي وَدمِي وعظمي وعصبي لله رب الْعَالمين» رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سنَنه عَن يَحْيَى بن عُثْمَان، أَنا أَبُو حَيْوَة، نَا شُعَيْب، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر بِهِ.
الحديث الرَّابِع:
عَن مُحَمَّد بن مسلمة «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَامَ يُصَلِّي تَطَوّعا يَقُول إِذا ركع: اللَّهُمَّ لَك ركعت، وَبِك آمَنت، وَلَك أسلمت، وَعَلَيْك توكلت، أَنْت رَبِّي خشع سَمْعِي وبصري ولحمي وَدمِي ومخي وعصبي لله عَزَّ وَجَلَّ رب الْعَالمين».
رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا عَن يَحْيَى بن عُثْمَان، نَا مُحَمَّد بن حمير نَا شُعَيْب، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر،- وَذكر آخر قبله- عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، عَن مُحَمَّد بن مسلمة بِهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا خطأ، وَالصَّوَاب حَدِيث الْمَاجشون- يَعْنِي: حَدِيث عَلّي بن أبي طَالب.
فَتحصل من هَذَا كُله أَن الحَدِيث الَّذِي أوردهُ الرَّافِعِيّ لَيْسَ مَوْجُودا فِي حَدِيث وَاحِد؛ وَإِنَّمَا هُوَ ملفق من أَحَادِيث خلا قَوْله: «وَلَك خَشَعت» فَلم أرها إِلَى الْآن وأقربها رِوَايَة الشَّافِعِي كَمَا قدمْنَاهُ، لَكِن فِيهَا ضعف وتنجبر بِمَا بعْدهَا من الْأَحَادِيث.